فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن}.
سبب نزول هذه الآية أن المشركين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: «يا الله يا الرحمن» فقالوا كان محمد أمرنا بدعاء إله واحد وهو يدعو إلهين، قاله ابن عباس، وقال مكحول: تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقال في دعائه: «يا رحمن يا رحيم» فسمعه رجل من المشركين، وكان باليمامة رجل يسمى الرحمن، فقال ذلك السامع: ما بال محمد يدعو رحمن اليمامة، فنزلت مبينة أنها لمسمى واحد، فإن دعوتموه بالله فهو ذلك، وإن دعوتموه بالرحمن فهو ذلك، وقرأ طلحة بن مصرف: {أيًّا ما تدعوا فله الأسماء}، أي وله سائر الأسماء الحسنى، أي التي تقتضي أفضل الأوصاف وهي بتوقيف، لا يصح وضع اسم الله بنظر إلا بتوقيف من القرآن أو الحديث، وقد روي: «أن لله تسعة وتسعين اسمًا» ؛ الحديث، ونصها كلها الترمذي وغيره بسند، وتقدير الآية أي الأسماء تدعوا به فأنت مصيب له الأسماء الحسنى، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجهر بصلاته وأن لا يخافت بها، وهو الإسرار الذي لا يسمعه المتكلم به، هذه هي حقيقته، ولكنه في الآية عبارة عن خفض الصوت وإن لم ينته إلى ما ذكرناه، واختلف المتأولون في الصلاة ما هي؟ فقال ابن عباس وعائشة وجماعة: هي الدعاء، وقال ابن عباس أيضًا: هي قراءة القرآن في الصلاة، فهذا على حذف مضاف، التقدير {ولا تجهر} بقراءة صلاتك، قال: والسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهر بالقرآن فسمعه المشركون فسبوا القرآن ومن أنزله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوسط، ليسمع أصحابه المصلون معه، ويذهب عنه أذى المشركين، قال ابن سيرين: كان الأعراب يجهرون بتشهدهم، فنزلت الآية في ذلك، وكان أبو بكر رضي الله عنه يسر قراءته، وكان عمر يجهر بها، فقيل لهما في ذلك، فقال أبو بكر: إنما أناجي ربي وهو يعلم حاجتي، وقال عمر أنا أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزلت هذه الآية، قيل لأبي بكر: «ارفع أنت قليلًا» وقيل لعمر: «اخفض أنت قليلًا»، وقالت عائشة أيضًا: الصلاة يراد بها في هذه الآية التشهد، وقال ابن عباس والحسن: المراد والمعنى: ولا تحسن صلاتك في الجهر ولا تسئها في السر، بل اتبع طريقًا وسطًا يكون دائمًا في كل حالة، وقال ابن زيد: معنى الآية النهي عما يفعله أهل الإنجيل والتوراة من رفع الصوت أحيانًا فيرفع الناس معه، ويخفض أحيانًا فيسكت من خلفه، وقال ابن عباس في الآية: إن معناها {ولا تجهر} بصلاة النهار {ولا تخافت} بصلاة الليل، واتبع سبيلًا من امتثال الأمر كما رسم لك، ذكره يحيى بن سلام والزهراوي، وقال عبد الله بن مسعود لم يخافت من أسمع أذنيه، وما روي من أنه قيل لأبي بكر ارفع أنت قليلًا يرد هذا، ولكن الذي قال ابن مسعود هو أصل اللغة، ويستعمل الخفوت بعد ذلك في ارفع من ذلك، وقوله تعالى: {وقل الحمد لله} الآية، هذه الآية رادة على اليهود والنصارى والعرب في قولهم أفذاذًا: عزير وعيسى والملائكة ذرية لله سبحانه وتعالى عن أقوالهم، ورادة على العرب في قولهم لولا أولياء الله لذل وقيد لفظ الآية نفي الولاية لله عز وجل بطريق الذي وعلى جهة الانتصار، إذ ولايته موجودة بتفضله ورحمته لمن والى من صالحي عباده، قال مجاهد: المعنى لم يحالف أحدًا ولا ابتغى نصر أحد، وقوله: {وكبره تكبيرًا} أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال، ثم أكدها بالمصدر تحقيقًا لها وإبلاغًا في معناها، وروى مطرف عن عبد الله بن كعب قال: افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام وختمت بخاتمة هذه السورة. نجز تفسير سورة سبحان والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن...} الآية.
هذه الآية نزلت على سببين.
نزل أولها إِلى قوله: {الحسنى} على سبب، وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهجَّد ذات ليلة بمكة، فجعل يقول في سجوده: «يا رحمن، يا رحيم» فقال المشركون: كان محمدٌ يدعو إِلهًا واحدًا، فهو الآن يدعو إِلهين اثنين: الله، والرحمن، ما نعرف الرحمن إِلا رحمن اليمامة، يعنون: مسيلمة، فأنزل الله هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب في أول ما أوحي إِليه: باسمك اللهم، حتى نزل: {إِنه من سليمان وإِنه بسم الله الرحمن الرحيم} [النمل: 30]، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه، فما الرحمن؟ فنزلت هذه الآية، قاله ميمون بن مهران.
والثالث: أن أهل الكتاب قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنك لَتُقِلُّ ذِكْر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك.
فأما قوله: {ولا تجهر بصلاتك} فنزل على سبب، وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالقرآن بمكة، فيسُبُّ المشركون القرآن ومَنْ أتى به، فخفض رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بعد ذلك حتى لم يسمع أصحابه، فأنزل الله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك} أي: بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبُّوا القرآن، {ولا تخافت بها} عن أصحابك، فلا يسمعون، قاله ابن عباس.
والثاني: أن الأعرابيّ كان يجهر في التشهُّد ويرفع صوته، فنزلت هذه الآية، هذا قول عائشة.
والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي بمكة عند الصفا، فجهر بالقرآن في صلاة الغداة، فقال أبو جهل: لا تفترِ على الله، فخفض النبي صلى الله عليه وسلم صوته، فقال أبو جهل للمشركين: ألا ترون ما فعلت بابن أبي كبشة؟! رددته عن قراءته، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
فأما التفسير، فقوله: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} المعنى: إِن شئتم فقولوا: يا ألله، وإِن شئتم فقولوا: يا رحمن، فانهما يرجعان إِلى واحد، {أيًّا ما تدعوا} المعنى: أيَّ أسماء الله تدعوا؛ قال الفراء: و{ما} قد تكون صلة، كقوله: {عما قليلٍ ليُصْبِحُنَّ نادمين} [المؤمنون: 40]، وتكون في معنى: أيّ معادَة لمَّا اختلف لفظهما.
قوله تعالى: {ولا تجهر بِصَلاتك} فيه قولان.
أحدهما: أنها الصلاة الشرعية.
ثم في المراد بالكلام ستة أقوال.
أحدها: لاتجهر بقراءتك، ولا تخافت بها، فكأنه نهي عن شدة الجهر بالقراءة، وشدة المخافتة، قاله ابن عباس.
فعلى هذا في تسمية القراءة بالصلاة قولان ذكرهما ابن الأنباري.
أحدهما: أن يكون المعنى: فلا تجهر بقراءة صلاتك.
والثاني: أن القراءة بعض الصلاة، فنابت عنها، كما قيل لعيسى: كلمة الله، لأنه بالكلمة كان.
والثاني: لا تصلّ مراءاة للناس، ولا تَدَعْها مخافة الناس، قاله ابن عباس أيضًا.
والثالث: لا تجهر بالتشهُّد في صلاتك، روي عن عائشة في رواية، وبه قال ابن سيرين.
والرابع: لا تجهر بفعل صلاتك ظاهرًا، ولا تخافت بها شديد الاستتار، قاله عكرمة.
والخامس: لا تُحسِنْ علانيتها، وتُسِيءْ سريرتها، قاله الحسن.
والسادس: لا تجهر بصلاتك كلِّها، ولا تُخافت بجميعِها.
فاجهر في صلاة الليل، وخافِت في صلاة النهار، على ما أمرناك به، ذكره القاضي أبو يعلى.
والقول الثاني: أن المراد بالصلاة: الدعاء، وهو قول عائشة، وأبي هريرة، ومجاهد.
قوله تعالى: {ولا تخافت بها} المخافتة: الإِخفاء، يقال: صوت خفيت.
{وابتغ بين ذلك سبيلًا} أي: اسلك بين الجهر والمخافتة طريقًا.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: نُسخت هذه الآية بقوله: {واذكر ربَّك في نفسك تضرعًا وخِيفة ودون الجهر من القول} [الأعراف: 205]، وقال ابن السائب: نُسخت بقوله: {فاصدع بما تؤمر} [الحجر: 94]؛ وعلى التحقيق، وجود النسخ هاهنا بعيد.
قوله تعالى: {ولم يكن له شريك في المُلك} وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وطلحة بن مصرِّف: في المِلك بكسر الميم، {ولم يكن له وليٌّ من الذُّلِّ} قال مجاهد: لم يحالف أحدًا، ولم يبتغ نصر أحد؛ والمعنى: أنه لا يحتاج إِلى موالاة أحد لِذُلٍّ يلحقه، فهو مستغن عن الولي والنصير.
{وكَبِّره تكبيرًا} أي: عظِّمه تعظيمًا تامًّا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الحسنى}.
سبب نزول هذه الآية: أن المشركين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو يا الله يا رحمن فقالوا: كان محمد يأمرنا بدعاء إله واحد وهو يدعو إلهين؛ قاله ابن عباس.
وقال مكحول: «تهجّد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقال في دعائه: يا رحمن يا رحيم» فسمعه رجل من المشركين، وكان باليمامة رجل يسمى الرحمن، فقال ذلك السامع: ما بال محمد يدعو رحمان اليمامة فنزلت الآية مبيِّنة أنهما اسمان لمسمّى واحد؛ فإن دعوتموه بالله فهو ذاك، وإن دعوتموه بالرحمن فهو ذاك.
وقيل: كانوا يكتبون في صدر الكتب: باسمك اللهم؛ فنزلت {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم} فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال المشركون: هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن؛ فنزلت الآية. وقيل: إن اليهود قالت: ما لنا لا نسمع في القرآن اسما هو في التوراة كثير. يعنون الرحمن؛ فنزلت الآية. وقرأ طلحة بن مُصَرِّف: {أيًّا مَنْ تدعوا فله الأسماء الحسنى} أي التي تقتضي أفضل الأوصاف وأشرف المعاني. وحسنُ الأسماء إنما يتوجه بتحسين الشرع؛ لإطلاقها والنصّ عليها. وانضاف إلى ذلك أنها تقتضي معاني حسانًا شريفة، وهي بتوقيف لا يصح وضع اسم الله بنظر إلا بتوقيف من القرآن أو الحديث أو الإجماع. حسبما بيناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى.
قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} فيه مسألتان:
الأولى: اختلفوا في سبب نزولها على خمسة أقوال:
الأول: ما روى ابن عباس في قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُتَوارٍ بمكة، وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سَبُّوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به؛ فقال الله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} فيسمع المشركون قراءتك، {ولا تخافت بها} عن أصحابك، أسمعهم القرآن ولاتجهر ذلك الجهر.
{وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلًا} قال: يقول بين الجهر والمخافتة؛ أخرجه البخاريّ ومسلم والترمذي وغيرهم، واللفظ لمسلم.
والمخافتة: خفض الصوت والسكون؛ يقال للميت إذا بَرَد: خفت.
قال الشاعر:
لم يبق إلا نَفَس خافت ** ومُقْلَةٌ إنسانها باهت

رَثَى لها الشامت مما بها ** يا وَيْحَ من يَرْثي له الشّامت

الثاني: ما رواه مسلم أيضًا عن عائشة في قوله عز وجل: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} قالت: أنزل هذا في الدعاء.
الثالث: قال ابن سيرين: كان الأعراب يجهرون بتشهّدهم فنزلت الآية في ذلك.
قلت: وعلى هذا فتكون الآية متضمنة لإخفاء التشهد، وقد قال ابن مسعود: من السنّة أن تخفي التشهد؛ ذكره ابن المنذر.
الرابع: ما روي عن ابن سيرين أيضًا أن أبا بكر رضي الله عنه كان يُسِر قراءته، وكان عمر يجهر بها، فقيل لهما في ذلك؛ فقال أبو بكر: إنما أناجي ربي، وهو يعلم حاجتي إليه.
وقال عمر: أنا أطرد الشيطان وأوقظ الوَسْنان؛ فلما نزلت هذه الآية قيل لأبي بكر: ارفع قليلًا، وقيل لعمر اخفض أنت قليلًا؛ ذكره الطبري وغيره.
الخامس: ما روي عن ابن عباس أيضًا أن معناها ولا تجهر بصلاة النهار، ولا تخافت بصلاة الليل؛ ذكره يحيى بن سلام والزهراويّ.
فتضمنت أحكام الجهر والإسرار بالقراءة في النوافل والفرائض، فأما النوافل فالمصلي مخيّر في الجهر والسر في الليل والنهار، وكذلك روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل الأمرين جميعًا.
وأما الفرائض فحكمها في القراءة معلوم ليلًا ونهارًا.
وقول سادس: قال الحسن: يقول الله لا ترائي بصلاتك تحسّنها في العلانية ولا تسيئها في السر.